خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 20 جمادي الآخرة 1444هـ ، الموافق 13 يناير 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل).
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، للدكتور محروس حفظي :
(1) اتساعُ مفهومِ العبادةِ في دينِنَا الحنيف.
(2) حثُّ الإسلامِ على إتقانِ العبادةِ كي تؤتِي ثمارَهَا.
(3) وسائلُ تعينُ على الإتقانِ.
(٤) إتقانُ العملِ مقصدٌ شرعيٌّ حريٌّ بنَا تطبيقهُ في كافةِ المجالاتِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م بعنوان : اغتنام عهد الشباب في بناء الذات (إتقان العبادة وإتقان العمل) ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويكافىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِك، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أمَّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م
(1) اتساعُ مفهومِ العبادةِ في دينِنَا الحنيف.
لقد حددَ اللهُ الغايةَ التي مِن أجلِهَا خُلِقَ الإنسانُ، فقال تعالى:﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، وشَرُفَ بها الأنبياءُ والمرسلون فقال عنهم:﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾، فبالعبادةِ يترقَّى العبدُ في مدارجِ السالكين، ويلتحقُ بعبادِ اللهِ المنعَّمِين في أعالِي الجنانِ مع النبيينَ والصديقين، فعَنْ مُعَاذٍ قَالَ: «كُنْتُ رِدْفَ النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ:«يَا مُعَاذ؛ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟ قلتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ! قالَ:«فإنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ: أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ: أَنْ لا يُعَذبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فقلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَفلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ؟ قَالَ: لا تُبَشِّرْهُمْ فيَتَّكِلوا» (متفق عليه)، لكنَّ البعضَ يقصُرُ العبادةَ على أداءِ الطقوسِ والفرائِض حتى إنَّ بعضَهُم ينظُرُ إلى الشعائِرِ التعبُّديَّةِ على أنَّها هي كلُّ العبادةِ المطلُوبةِ مِنه، وأنَّه إذا أدَّاهَا فقد أدَّى كلَّ ما عليه مِن العبادةِ، لكنْ دينُنَا صحّحَ هذا الفهمَ، وأزالَ هذا السقمَ؛ إذ العباداتُ أبوابُهَا كثيرةٌ، ولا تدخلُ تحتَ الحصرِ، ولا يشملُهَا العدُّ، فهي تشملُ حياةَ الإنسانِ كلَّهَا، فتشملُ أقوالَهُ وأفعالَهُ، حركاتِه وسكناتِه، ظاهرَهُ وباطنَهُ، علاقاتِه الأسريةَ والاجتماعيةَ والاقتصاديةَ، بهذا يحِسٌّ المُسلمُ ويعلمُ أنَّ الأعمالَ الصالِحة التي يؤديهَا على سبيلِ العادةِ يمكنُ أنْ تتحوَّلَ إلى عِبادةٍ، وذلك بإصلاحِ النيَّةِ للهِ ربِّ للعالمين، يقولُ الإمامُ النوويُّ: (المُباحَ إذا قُصِدَ به وجهُ اللهِ تعالى صارَ طاعةً، ويُثاب عليه)، وهذا ما وضحتْهُ السنةُ فعن أبي هُرَيْرَةَ قال رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ سُلَامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ قَالَ: تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، قَالَ: وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» (مسلم) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م
(2) حثُّ الإسلامِ على إتقانِ العبادةِ كي تؤتِي ثمارَهَا.
إنَّ الإتقانَ صفةٌ مِن صفاتِ ربِّنَا – عزّ وجلَّ- فهو الذي أتقنَ كلَّ شيءٍ خلقَهُ وأحسنَهُ ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ ومّن يتأملْ مخلوقاتِهِ يعرفْ أنَّه ﴿أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى﴾، ولذا ينبَغِي أنْ نفهَمَ أنَّ أداءَ العبادةِ مجردةً عن إتقانِهَا لا يحققُ مقاصدهَا السامية، وأهدافهَا العاليةَ، أمَّا مَن يستشعرْ إقامتَهَا على أكمل وجهٍ يجدْ لذتهَا ويحسْ بحلاوتِهَا مِن حيثُ إنَّها تربطُ الإنسانَ باللهِ في توجههِ وأدائِهَا، وهذا يجعلُهُ مفتقرًا إلى ربِّه، والنظرِ إلى وجههِ، متطلعًا إلى مرضاتِه، حريصًا على الفوزِ بجنتهِ، وصحبةِ حبيبهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
إنَّ الإتقانَ لم يقتصرْ على الأعمالِ الدنيويةِ فحسب، بل شملَ أمورَنَا التعبديةَ، فالإنسانُ المتقنُ في أخلاقهِ هو الذي يتخلقُ بالأخلاقِ العاليةِ، ويترفعُ عن الأعمالِ الدنيئةِ، وها هو نبيُّنَا يعلمُنَا الإتقانَ في الوضوءِ بإسباغهِ أمَّا مَن لا يكملُهُ ويتركُ جزءًا مِن أعضائهِ فهو متوعدٌ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: رَجَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ، فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ فَانْتَهَيْنَا إِلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ» (متفق عليه)، وفي موقفٍ آخر يعلمُنَا إقامةَ الصلاةِ مكتملةَ الأركانِ والشروطِ والخشوعِ والاطمئنانِ فيها، فمَن لم يتقنْهَا ولم يتمّ أركانَهَا فهي غيرُ مقبولةٍ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللهِ، فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ السَّلَامَ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا عَلِّمْنِي، قَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا». (مسلم)، وفي الزكاةِ بإعطائِهَا لمستحقِيهَا وفي أوقاتِهَا وإخراجِهَا مِن أفضلِ ما يملكُهُ العبدُ قالَ ربُّنَا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾، وفي الصومِ أمرَ بإتمامهِ مع حفظِ الجوارحِ والأركانِ عن المحرماتِ قَالَ جَابِرٌ: «إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ وَبَصَرُكَ وَلِسَانُكَ عَنِ الْكَذِبِ وَالْمَآثِمِ، وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ، وَلَا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صِيَامِكَ سَوَاءً» (ابن أبي شيبة)، وفي الحجِّ يقولُ ربُّنَا:﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ﴾ .
إنَّ العباداتِ إذا لم تؤتِ مقصدَهَا، وينعكسْ أثرُهَا على الفردِ والمجتمعِ، وتظهرْ في سلوكياتِ الناسِ فيمَا بينَهُم، فلا قيمةَ لهَا ولا اعتبارَ بهَا، فما الغايةُ المرجوةُ مِن إنسانٍ يُصلِّي ويصومُ ويقومُ الليلَ، وهو لرحمهِ قاطعٌ، ولزوجهِ ضاربٌ، ولأموالِ الناسِ آكلٌ، ولا يرعَى حقَّ أولادهِ ولا يحنُو عليهِم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ: «إِنَّما أَتقبَّلُ الصَّلاَةُ مِمَّنْ تَواضَعَ بِها لِعَظَمتِي، ولَمْ يَستَطِلْ عَلَى خَلْقِي، ولَمْ يَبِتْ مُصرّاً عَلَى مَعْصِيَتي، وقَطَعَ النَّهارَ فِي ذِكْرِي، ورَحِمَ المِسكينَ وابنَ السَّبِيلِ والأَرمَلَةَ ورَحِمَ المُصابَ» (البزار)، وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» (ابن ماجه)، كما أنَّ البعضَ قد ينخدعُ بالشكلِ والمظهرِ الخارجِي دونَ مراعةِ الجوهرِ والمضمونِ مع أنَّهُمَا لا غنَى لأحدهِمَا عن الآخرِ فهُمَا كالروحِ والجسدِ معًا، لذا يجبُ علينَا أنْ نوازنَ بينهمَا بلا إفراطٍ ولا تفريطٍ.
لقد شملَ الإتقانُ كلَّ شيءٍ حتى الذبحِ الذي يقعُ على العجماواتِ فعنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصْلَتَيْنِ، قَالَ: “إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ” (مسلم) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م
(3) وسائلُ تعينُ على الإتقانِ.
إنَّ الإنسانَ متى عرفَ الوسيلةَ التي تُعينُهُ على عملهِ، وفَقِهَ النتيجةَ مِن غرسهِ، سَهُلَ عليهِ فعلُ العبادةِ، وهانَ ما يُلاقيهِ في سبيلِهَا مِن صعوبةٍ وعناءٍ ومشقةٍ، وفيمَا يَلِي إشارةٌ إلى بعضِ الوسائلِ التي تُعينُ العبدَ على إتقانِ عملِهِ:
أولًا: التشجيعُ المستمرُ مع وضعِ الحافزِ المعينِ على التحسينِ: بيَّنَ ربُّنَا في كتابهِ العزيزِ نتيجةَ مَن يُتقنُ عملَهُ فقالَ: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾، وشجَّعَ رسولُنَا ﷺ المسلمَ على إتقانهِ للعبادةِ ووضعَ حوافزَ لذلك فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ، لَهُ أَجْرَانِ» (متفق عليه)، وبشَّرَ مَن يحسنُ وضوءَهُ وصلاتَهُ فقالَ ﷺ: «لَا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ يُحْسِنُ وُضُوءَهُ، وَيُصَلِّي الصَّلَاةَ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا» (متفق عليه) .
ثانيًا: ضرورةُ الفهمِ والفقهِ بأنَّ التعلمَ عمليةٌ مستمرةٌ لا تنقطعُ: لمَّا كانتْ العبادةُ لا تنقطعُ عن المسلمِ طالمَا يعيشُ على ظهرِ هذه الأرضِ كما قال ربُّنَا مخاطبًا نبيَّهُ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، وقال أيضًا على لسانِ عيسَى عليهِ السلام: ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾، فكذا التعلمُ واكتسابُ الخبراتِ والمهاراتِ لا يقفُ عندَ حدٍّ معينٍ وإنَّما تحتاجُ إلى صبرٍ ومحاولةٍ قال ابْنُ مَسْعُودٍ: فَعَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ ; فَإِنَّهُ مَأْدُبَةُ اللَّهِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَأْدُبَةِ اللَّهِ فَلْيَفْعَلْ، فَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» (البزار، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ).
لقد بيِّنَ ربُّنَا في كتابهِ أنَّ سنتَهُ الكونيةَ اقتضتْ أنَّ خلقَ البشرِ مِن أجلِ الكدحِ والكفاحِ وإلَّا لمَا كان للحياةِ طعمٌ أو مذاقٌ ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ﴾، ومَن فهمَ هذا القانونَ الربانيَّ هانَ كلُّ شيءٍ في طريقهِ، وعافرَ وواصلَ الليلَ بالنهارِ، وحاولَ مرةً بعدَ أُخرى بغيةَ الوصولِ إلى مرماه، وتتعجبُ مِن حالِ الإنسانِ الذي هو الوحيدُ مِن بين الكائناتِ الحيةِ الذي يرفضُ قانونَ «الجهدِ المهدورِ» ذاك قانونُ رجالِ الأعمالِ، والقادةِ العظامِ، والعباقرةِ الجسامِ، فتجد الأسودَ مثلًا لا تنجحُ في الصيدِ إلَّا في ربعِ محاولاتِهَا أي تفشلُ في 75% مِن صيدِهَا ومع ذلك لا تيأسُ مِن محاولاتِ المطاردةِ والمتابعةِ، ونصفُ مواليدِ الدببةِ تموتُ قبلَ البلوغِ، ونصفُ بيوضِ الأسماكِ يتمُّ التهامُهَا ومع ذلك ما زالَ هذا القانونُ الإلهيُّ مستمرًا لا ينقطعُ عن الطبيعةِ، لكنَّ الإنسانَ إذا أخفقَ في مشروعٍ أو فشلَ في عملٍ لا يريدُ أنْ ينهضَ مرةً أخرى، بل يستسلمُ ويتكاسلُ، ويريدُ الحصولَ على مبتغَاه بسهولةٍ، فيسلكَ سبلَ الحرامِ، وما يُؤتَى دونَ عَرَقٍ أو تعبٍ يذهبُ سُدى، وقد يحتاجُ الإتقانُ إلى وقتٍ طويلٍ بحسبِ طبيعةِ العملِ، فقد مكثَ ابنُ حجرٍ في تأليفِ “فتحِ البارِي” خمسةً وعشرينَ عامًا، وابنُ عبدِ البرِّ مكثَ في تأليفِ “التمهيدِ” ثلاثينَ عامًا، والإمامُ البخاريُّ أتقنَ ترتيبَ كتابهِ “الصحيح” على الأبوابِ الفقهيةِ أيَّمَا إتقان، وكان لا يضعُ حديثًا حتى يُصلِّي ركعتين .
ثالثًا: تمثلُ القدوةِ الحسنةِ فتكونَ مثالًا يُحتذَى بهِ في العملِ: مِن أهمِّ القيمِ التي كان رسولُ اللهِ ﷺ يسعَى إلى غرسِهَا في نفوسِ صحابتهِ هو إتقانُ العملِ وتحسينُهُ سواءٌ كان عملًا دينيًّا أو دنيويًّا وذلك بالجمعِ بينَ العلمِ والعملِ معًا فعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْ كَانَ يُقْرِئُنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا «يَقْتَرِئُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ آيَاتٍ، فَلَا يَأْخُذُونَ فِي الْعَشْرِ الْأُخْرَى حَتَّى يَعْلَمُوا مَا فِي هَذِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالُوا: فَعَلِمْنَا الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ» (أحمد) .
والمتأمِّلُ في عبادةِ النبيِّ ﷺ يَجِدُ أَنَّ عِبَادَتَهُ مُتقَنَةٌ سئلت عَائِشَة، كَيْفَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللهِ فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ، وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» (متفق عليه) .
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م
(٤) إتقانُ العملِ مقصدٌ شرعيٌّ حريٌّ بنَا تطبيقهُ في كافةِ المجالاتِ.
إنَّ إتقانَ العملِ والوصولَ بهِ إلى أعلَى درجاتِ الجودةِ، وأرقَى متطلباتِ الإنتاجِ، وأفضلُ حالاتِ الشفافيةِ بمَا يسمحُ للمنتجِ بالوفاءِ بحاجةِ البشرِ ويمكنهُ مِن غزوِ الأسواقِ لهوَ مقصدٌ شرعيٌّ حثَّنَا عليهِ دينُنَا، وأمرَ بهِ نبيُّنَا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ يُتْقِنَهُ» (شعب الإيمان)، ولكي يُنَمَّىَ خلقُ المراقبةِ لدىَ العبدِ أخبرَ ربُّنَا أنَّ أعمالَنَا ستعرضُ عليهِ ليحاسبَنَا عليهَا فقالَ:﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وهذا مِن شأنهِ أنْ يُحيي الضميرَ، ويزيدَ إحساسُنَا بالمسئوليةِ، فعلينَا أنْ نُراقبَ اللهَ في أعمالِنَا، ولنعلمْ أنَّ أفعالَنَا مسجلةٌ ومُحصاةٌ، وأفضلُهَا هي التي تكونُ على عينِ صاحبِهَا في كافةِ مراحلِ الإنتاجِ؛ لأنَّهُ عندما تغيبُ الرقابةُ يحدثُ الخللُ والفسادُ، وقد ضربَ لنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلًا عمليًّا في تدريبِ الأبناءِ على إتقانِ العملِ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ مَرَّ بِغُلَامٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ:«تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ، فَإِنِّي لَا أَرَاكَ تُحْسِنُ تَسْلُخُ، قَالَ: فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبْطِ، ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَكَذَا يَا غُلَامُ فَاسْلُخْ، ثُمَّ انْطَلَقَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ ماء» (ابن حبان)، لم يستكبرْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يساعدَ الغلامَ في عملهِ، ويذللَ له الصعابَ، ويعلمَهُ ما خفي مِن إتقانِ السلخِ!! إنَّها مهمةُ المعلمِ، وإحساسُ المربِّي بمسئوليةِ الإرشادِ الدائمِ والتقويمِ المستمرِّ في كلِّ وقتٍ، فيَا حبَّذا لو أتقنَ الإنسانُ عملًا تميزَ بهِ، وشاعَ عنهُ أنَّهُ رائدُهُ، وأنَّهُ علامةٌ مسجلةٌ فيهِ، بدلَ ممارستهِ أعمالًا عدةً قد تصنفُهُ في عِدادِ الفاشلين، وتضعُهُ في نطاقِ المقصرين، وانفرادُ بعضِ العلماءِ بتخصصٍ معينٍ أكبرُ شاهدٍ على ذلك، وصدقَ القائلُ:
بِقَدْرِ الْكَدِّ تُكْتَسَبُ المعَالِي *** ومَنْ طلبَ العُلا سَهرَ اللَّيالِي
ومَن طلبَ العُلا مِن غيرِ كَدٍّ *** أَضَاع العُمْرَ في طلبِ الْمُحَالِ
والمستقرىءُ للقرآنِ يجدُ أنَّ اللهَ ضربَ نماذجَ فريدةً في إتقانِ الإنشاءِ والتعميرِ كإتقانِ ذي القرنينِ بناءَ السدِّ حيثُ استخدمَ أعلَى مواصفاتِ التقنيةِ في الإحكامِ قالَ ربُّنَا: ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً*قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً* قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ﴾ فكانت النتيجةُ الحتميةُ ﴿فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً﴾، وتأملْ قمةَ التقدمِ والإتقانِ الذي شيّدَ بهِ سليمانُ عليهِ السلامُ قصرَ بلقيس ﴿قيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ﴾ فلما شاهدتْ وعاينتْ علمتْ أنَّ هذا نبيٌّ فتابتْ ورجعتْ إلى اللهِ ﴿رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ﴾ .
تابع/ خطبة الجمعة القادمة 13 يناير 2023م
وتأملْ الإتقانَ العسكريَّ- الذي هو ضرورةٌ شرعيةٌ ومقصدٌ ربانيٌّ لا ينبغِي إغفالُهُ- في قصةِ طالوت ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ فهذا مجالُ تفوقهِ، وذاك سببُ قيادتِه، وقد جاءَ الأمرُ الإلهيُّ بضرورةِ الإعدادِ للعدوِّ فقال ربُّنَا: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾، وهل يظننَّ ظانٌّ أنَّ هذا الإعدادَ يتمُّ دونَ الإتقانِ والإحكامِ، ولذا نكّرَ ربُّنَا لفظَ القوةِ في قولِهِ:﴿مِنْ قُوَّةٍ﴾ لتشملَ جميعَ أنواعِ القوةِ البدنيةِ والاقتصاديةِ والمدفعيةِ والسلوكيةِ… إلخ فتنبّهْ وأفهمْ.
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفق ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف